الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»
.سورة آل عمران: .تفسير الآيات (1- 3): {الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)}{الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إنما فتح الميم في المشهور وكان حقها أن يوقف عليها لإِلقاء حركة الهمزة عليها ليدل على أنها في حكم الثابت، لأنها أسقطت للتخفيف لا للدرج، فإن الميم في حكم الوقف كقولهم: واحد اثنان بإلقاء حركة الهمزة على الدال لا لالتقاء الساكنين، فإنه غير محذور في باب الوقف، ولذلك لم تحرك الميم في لام. وقرئ بكسرها على توهم التحريك لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو بكر بسكونها والابتداء بما بعدها على الأصل. {الحي القيوم} روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور في البقرة الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي طه وعنت الوجوه للحي القيوم» {نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب} القرآن نجوماً. {بالحق} بالعدل، أو بالصدق في أخباره، أو بالحجج المحققة أنه من عند الله وهو في موضع الحال. {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب. {وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} جملة على موسى وعيسى. واشتقاقهما من الورى والنجل، ووزنهما بتفعلة وافعيل تعسف لأنهما أعجميان، ويؤيد ذلك أنه قرئ: {الأنجيل} بفتح الهمزة وهو ليس من أبنية العربية، وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان والكسائي التوراة بالإِمالة في جميع القرآن، ونافع وحمزة بين اللفظين إِلاَّ قَالُون فإنه قرأ بالفتح كقراءة الباقين..تفسير الآية رقم (4): {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)}{مِن قَبْلُ} من قبل تنزيل القرآن. {هُدًى لّلنَّاسِ} على العموم إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا، وإلا فالمراد به قومهما. {وَأَنزَلَ الفرقان} يريد به جنس الكتب الإِلهية، فإنّها فارقة بين الحق والباطل. ذكر ذلك بعد ذكر الكتب الثلاثة ليعم ما عداها، كأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق به بين الحق والباطل، أو الزبور أو القرآن. وكرر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيماً، وإظهاراً لفضله من حيث إنه يشاركهما في كونه وحياً منزلاً ويتميز بأنه معجز يفرق بين المحق والمبطل، أو المعجزات {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بأيات الله} من كتبه المنزلة وغيرها. {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} بسبب كفرهم. {والله عَزِيزٌ} غالب لا يمنع من التعذيب. {ذُو انتقام} لا يقدر على مثله منتقم، والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بالفتح والكسر، وهو وعيد جيء به بعد تقرير التوحيد والإِشارة إلى ما هو العمدة في إثبات النبوة تعظيماً للأمر، وزجراً عن الإِعراض عنه..تفسير الآيات (5- 7): {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}{إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} أي شيء كائن في العالم كلياً كان أو جزئياً، إيماناً أو كفراً. فعبَّر عنه بالسماء والأرض إِذ الحس لا يتجاوزهما، وإنما قدم الأرض ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها. وهو كالدليل على كونه حياً وقوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} أي من الصور المختلفة، كالدليل على القيومية، والاستدلال على أنه عالم بإتقان فعله في خلق الجنين وتصويره. وقرئ: {تصوركم} أي صوركم لنفسه وعبادته. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله. {العزيز الحكيم} إشارة إلى كمال قدرته وتناهي حكمته. قيل: هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان رباً، فإِن وفد نجران لما حاجوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت السورة، من أولها إلى نيف وثمانين آية تقريراً لما احتج به عليهم وأجاب عن شبههم.{هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيات محكمات} أحكمت عبارتها بأن حفظت من الإِجمال والاحتمال. {هُنَّ أُمُّ الكتاب} أصله يرد إليها غيرها والقياس أمهات فأفرد على تأويل كل واحدة، أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة. {وَأُخَرُ متشابهات} محتملات لا يتضح مقصودها لإِجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء، ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها، فينالوا بها وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها، والتوفيق بينها وبين المحكمات معالي الدرجات. وأما قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءاياته} فمعناه أنها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ، وقوله: {كتابا متشابها} فمعناه أنه يشبه بعضه بعضاً في صحة المعنى وجزالة اللفظ، و{أُخَرُ} جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه وصف معدول عن الآخر ولا يلزم منه معرفته، لأن معناه أن القياس أن يعرف ولم يعرف لا أنه في معنى المعرف أو عن {أخر} من {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} عدول عن الحق كالمبتدعة. {فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه مِنْهُ} فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل {ابتغاء الفتنة} طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه. {وابتغاء تَأْوِيلِهِ} وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه، ويحتمل أن يكون الداعي إلى الاتباع مجموع الطلبتين، أو كل واحدة منهما على التعاقب. والأول يناسب المعاند والثاني يلائم الجاهل. {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} الذي يجب أن يحمل عليه. {إِلاَّ الله والرسخون فِي العلم} أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه، ومن وقف على {إِلاَّ الله} فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه: كمدة بقاء الدنيا، ووقت قيام الساعة، وخواص الأعداد كعدد الزبانية، أو بمبادل القاطع على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد.{يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ} استئناف موضح لحال {الراسخين}، أو حال منهم أو خبر أن جعلته مبتدأ. {بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا} أي كل من المتشابه والمحكم من عنده، {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر، وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله، وهو تجرد العقل عن غواشي الحس، واتصال الآية بما قبلها من حيث إنها في تصوير الروح بالعلم وتربيته، وما قبلها في تصوير الجسد وتسويته، أو أنها جواب عن تشبث النصارى بنحو قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ} كما أنه جواب عن قوله لا أب له غير الله، فتعين أن يكون هو أباه بأنه تعالى مصور الأجنة كيف يشاء فيصور من نطفة أب ومن غيرها، وبأنه صوره في الرحم والمصور لا يكون أب المصور..تفسير الآية رقم (8): {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا} من مقال الراسخين. وقيل: استئناف والمعنى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه، قال عليه الصلاة والسلام: «قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه» وقيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا. {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} إلى الحق والإِيمان بالقسمين. من المحكم والمتشابه، وبعد نصب على الظرف، وإذ في موضع الجر بإضافته إليه. وقيل إنه بمعنى إن. {وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} تزلفنا إليك ونفوز بها عندك، أو توفيقاً للثبات على الحق أو مغفرة للذنوب. {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} لكل سؤال، وفيه دليل على أن الهدى والضلال من الله وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء..تفسير الآية رقم (9): {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ الناس لِيَوْمٍ} لحساب يوم أو لجزائه. {لاَ رَيْبَ فِيهِ} في وقوع اليوم وما فيه من الحشر والجزاء، نبهوا به على أن معظم غرضهم من الطلبتين ما يتعلق بالآخرة فإنها المقصد والمال. {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} فإن الإِلهية تنافيه وللإِشعار به وتعظيم الموعود لون الخطاب، واستدل به الوعيدية. وأجيب بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقاً..تفسير الآية رقم (10): {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} عام في الكفرة. وقيل: المراد به وفد نجران، أو اليهود، أو مشركوا العرب. {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا} أي من رحمته، أو طاعته على معنى البدلية، أو من عذابه {وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النار} حطبها. وقرئ بالضم بمعنى أهل وقودها..تفسير الآية رقم (11): {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}{كَدَأْبِ ءالِ فِرْعَوْنَ} متصل بما قبله أي لن تغن عن أولئك، أو توقد بهم كما توقد بأولئك، أو استئناف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب، وهو مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فنقل إلى معنى الشأن. {والذين مِن قَبْلِهِمْ} عطف على {آل فِرْعَوْنَ}. وقيل استئناف. {كَذَّبُواْ بأياتنا فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} حال بإضمار قد، أو استئناف بتفسير حالهم، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم. {والله شَدِيدُ العقاب} تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف الكفرة..تفسير الآية رقم (12): {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}{قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ} أي قل لمشركي مكة ستغلبون يعني يوم بدر، وقيل لليهود فإنه عليه الصلاة والسلام جمعهم بعد بدر في سوق بني قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش، فقالوا لا يغرنك أنك أصبت أغماراً لا علم لهم بالحرب لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس، فنزلت. وقد صدق الله وعده لهم بقتل قريظة وإجلاء بني النضير وفتح خيبر، وضرب الجزية على من عداهم وهو من دلائل النبوة. وقرأ حمزة والكسائي بالياء فيهما على أن الأمر بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه. {وَبِئْسَ المهاد} تمام ما يقال لهم، أو استئناف وتقدير بئس المهاد جهنم أو ما مهدوه لأنفسهم..تفسير الآية رقم (13): {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}{قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ} الخطاب لقريش أو لليهود، وقيل للمؤمنين. {فِي فِئَتَيْنِ التقتا} يوم بدر. {فِئَةٌ تقاتل فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ} يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين، وكان قريباً من ألف، أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وذلك كان بعد ما قللهم في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم وتوجهوا إليهم، قلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا مدداً من الله تعالى للمؤمنين، أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم ويتيقنوا بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله: {فَإِن يَكُن مّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ} ويؤيده قراءة نافع ويعقوب بالتاء وقرئ بهما على البناء للمفعول أي يريهم الله، أو يريكم ذلك بقدرته، وفئة بالجر على البدل من فئتين والنصب على الاختصاص، أو الحال من فاعل التفتا. {رَأْيَ العين} رؤية ظاهرة معاينة. {والله يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء} نصره كما أيد أهل بدر. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي التقليل والتكثير، أو غلبة القليل عديم العدة في الكثير شاكي السلاح، وكون الواقعة آية أيضاً يحتملها ويحتمل وقوع الأمر على ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم. {لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبصار} أي لعظة لذوي البصائر. وقيل لمن أبصرهم..تفسير الآية رقم (14): {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}{زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات} أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء على أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحبوا شهوتها كقوله تعالى: {أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير} والمزين هو الله تعالى لأنه الخالق للأفعال والدواعي، ولعله زينه إبتلاء، أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله تعالى، أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع. وقيل الشيطان فإن الآية في معرض الذم. وفرق الجبائي بين المباح والمحرم. {مِنَ النساء والبنين والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث} بيان للشهوات، والقنطار المال الكثير. وقيل مائة ألف دينار. وقيل ملء مسك ثور. واختلف في أنه فعلال أو فنعال، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم: بدرة مبدرة. والمسومة المعلمة من السومة وهي العلامة، أو المرعية من أسام الدابة وسومها، أو المطهمة. والأنعام الإِبل والبقر والغنم {ذلك متاع الحياة الدنيا} إشارة إلى ما ذكر. {والله عِندَهُ حُسْنُ المآب} أي المرجع، وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة الفانية..تفسير الآية رقم (15): {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}{قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذلكم} يريد به تقرير أن ثواب الله تعالى خير من مستلذات الدنيا. {لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبّهِمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} استئناف لبيان ما هو خير، ويجوز أن يتعلق اللام بخير ويرتفع جنات على ما هو جنات، ويؤيده قراءة من جرها بدلاً من {خَيْرٌ}. {وأزواج مُّطَهَّرَةٌ} مما يستقذر من النساء. {ورضوان مّنَ الله} قرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن بضم الراء ما خلا الحرف الثاني في المائدة وهو قوله تعالى: {رِضْوَانَهُ سُبُلَ السلام} بكسر الراء وهما لغتان. {والله بَصِيرٌ بالعباد} أي بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، أو بأحوال الذين اتقوا فلذلك أعد لهم جنات، وقد نبه بهذه الآية على نعمه فأدناها متاع الحياة الدنيا وأعلاها رضوان الله تعالى لقوله تعالى: {ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ} وأوسطها الجنة ونعيمها.
|